تطور مهنة التقييم: من التقييم اليدوي إلى العصر الرقمي.

الفصل الثامن: تطور مهنة التقييم: من التقييم اليدوي إلى العصر الرقمي
مقدمة
يهدف هذا الفصل إلى استعراض رحلة مهنة التقييم العقاري، بدءًا من الممارسات اليدوية التقليدية التي كانت تعتمد على الخبرة الشخصية والتقييم البصري، وصولًا إلى العصر الرقمي الذي يشهد تطورات تكنولوجية هائلة تؤثر بشكل كبير على أساليب التقييم ودقته وكفاءته. سنستكشف المراحل الرئيسية في هذا التطور، ونحلل التحديات والفرص التي واجهت المهنة في كل مرحلة، مع التركيز على دور التكنولوجيا في تحسين جودة التقييم وتوسيع نطاقه.
أولاً: العصر الذهبي “السيئ” للتقييم اليدوي (الثمانينات)
في حقبة الثمانينات، كان المقيم العقاري شخصية مميزة، يحمل أدواته التقليدية التي تعكس طبيعة العمل اليدوي الذي كان سائداً:
* الأدوات الأساسية:
* لوحة الرسم (Clipboard): لحمل نماذج التقارير الفارغة والأوراق.
* الأقلام: أداة أساسية لتدوين الملاحظات ورسم المخططات.
* شريط القياس: لقياس أبعاد العقار بدقة.
* الكاميرا: لتصوير العقار (كاميرا فورية من نوع بولارويد لموظفي مؤسسات الإقراض، أو كاميرا 35 مم للمقيمين المستقلين).
* سير العمل اليومي:
1. المعاينة الميدانية: زيارة العقار، التقاط الصور، قياس الأبعاد، ورسم مخطط تقريبي على ورق الرسم البياني.
2. تعبئة النموذج: ملء نموذج التقييم الموحد (URAR) يدوياً بالمعلومات المجمعة.
3. البحث عن المقارنات: مراجعة سجلات “Comp Books” الورقية للعثور على عقارات مماثلة.
4. تصوير المقارنات: زيارة وتصوير العقارات المقارنة.
5. العودة إلى المكتب: تجهيز التقرير النهائي، والذي يشمل إعادة كتابة المعلومات بخط واضح، وتجهيز الرسومات بالحبر، ولصق الصور المطبوعة.
* التحديات:
* الاعتماد على الخبرة الشخصية: التقييم كان يعتمد بشكل كبير على حكم المقيم وخبرته، مما قد يؤدي إلى تباين في التقييمات.
* العمل اليدوي المكثف: استغراق وقت طويل في جمع البيانات، وتعبئة النماذج، وإعداد التقارير.
* صعوبة الوصول إلى البيانات: محدودية الوصول إلى المعلومات والبيانات المحدثة عن السوق العقاري.
* بطء عملية التقييم: استغراق وقت طويل لإنجاز عملية التقييم وتسليم التقرير للعميل (أسبوع إلى عشرة أيام).
* التعليم والترخيص:
* لم يكن هناك تراخيص إلزامية لممارسة المهنة.
* التعليم كان محدوداً، ويعتمد على الدورات التدريبية القصيرة التي تقدمها المنظمات المهنية.
* الخبرة كانت الشرط الأساسي، ويتم اكتسابها من خلال العمل كمساعد لمقيم عقاري متمرس.
ثانياً: قانون Garn/St. Germaine وتأثيره على المهنة
كان لقانون Garn/St. Germaine، الذي تم إقراره في الثمانينات، تأثير كبير على صناعة الإقراض والتقييم العقاري. هدف القانون إلى تحرير قطاع الادخار والقروض، مما أدى إلى:
- انهيار مؤسسات الادخار والقروض: سمح القانون لمؤسسات الادخار والقروض بالاستثمار في مجالات جديدة ومحفوفة بالمخاطر، مما أدى إلى خسائر فادحة وإفلاس العديد منها.
- إصلاحات تنظيمية: أدت الأزمة إلى تدخل الكونغرس وإصدار قانون إصلاح المؤسسات الفيدرالية واستردادها وإنفاذها (FIRREA)، الذي فرض تراخيص للمقيمين العقاريين وأنشأ مؤسسة التقييم (Appraisal Foundation) لوضع معايير موحدة للتقييم (USPAP).
ثالثاً: دخول التكنولوجيا إلى مجال التقييم
شهدت التسعينات تطورات تكنولوجية هامة أثرت على مهنة التقييم:
- الهواتف المحمولة وأجهزة الرد الآلي والفاكس: سهلت هذه الأدوات التواصل بين المقيمين والعملاء، وتسريع عملية تبادل المعلومات.
- الحاسبات الشخصية: أتاحت للمقيمين إمكانية معالجة البيانات، وكتابة التقارير، وإدارة أعمالهم بكفاءة أكبر.
- الكاميرات الرقمية: بدأت بالظهور في البداية بالأبيض والأسود، ثم تطورت لتصبح ملونة، مما سهل عملية التقاط الصور وتضمينها في التقارير.
- تطبيقات وبرامج التقييم: ظهرت البرامج التي تساعد في إعداد التقارير وتحليل البيانات، مما يزيد من سرعة التقييم وجودته.
رابعاً: تأثير التكنولوجيا على سوق العمل
أدت التطورات التكنولوجية إلى تغييرات كبيرة في سوق العمل:
- فقدان الوظائف: أدى انهيار مؤسسات الادخار والقروض، ومتطلبات الترخيص الجديدة، واستخدام التكنولوجيا إلى فقدان العديد من المقيمين لوظائفهم، بالإضافة إلى الاستغناء عن وظائف السكرتارية والكاتبين.
- نقص في المقيمين المؤهلين: بعد الأزمة، كان هناك نقص في عدد المقيمين المؤهلين، مما أدى إلى ارتفاع أسعار التقييم.
- جيل جديد من المقيمين: ظهر جيل جديد من المقيمين أكثر تعليماً وتمرساً في استخدام التكنولوجيا، مما ساهم في تطوير المهنة.
خامساً: العصر الرقمي الحالي
يشهد العصر الحالي تطورات تكنولوجية متسارعة تؤثر بشكل كبير على مهنة التقييم:
- البيانات الضخمة (Big Data) وتحليل البيانات:
- تتوفر كميات هائلة من البيانات العقارية (أسعار البيع، بيانات الضرائب، معلومات عن العقارات…) التي يمكن استخدامها لتحسين دقة التقييم.
- تقنيات تحليل البيانات (Data Analytics) تساعد في استخلاص رؤى قيمة من هذه البيانات، وتحديد الاتجاهات في السوق العقاري.
- الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (Machine Learning):
- يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير نماذج تقييم آلية تعتمد على البيانات التاريخية.
- التعلم الآلي يمكنه تحسين دقة هذه النماذج بمرور الوقت، من خلال تحليل البيانات الجديدة.
- التصوير الجوي والمسح ثلاثي الأبعاد (3D Scanning):
- الطائرات بدون طيار (Drones) يمكنها التقاط صور جوية للعقارات، مما يوفر معلومات دقيقة عن موقع العقار ومحيطه.
- تقنيات المسح ثلاثي الأبعاد يمكنها إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للعقارات، مما يسمح بتقييم دقيق للمساحات والأبعاد.
- تطبيقات الهاتف المحمول (Mobile Apps):
- تسهل عملية جمع البيانات الميدانية، وتعبئة النماذج، والتقاط الصور.
- تتيح للمقيمين الوصول إلى المعلومات والبيانات من أي مكان وفي أي وقت.
- سلسلة الكتل (Blockchain):
- يمكن استخدام تقنية سلسلة الكتل لتسجيل معاملات العقارات بشكل آمن وشفاف، مما يقلل من مخاطر الاحتيال ويزيد من الثقة في البيانات.
سادساً: تحديات وفرص العصر الرقمي
- التحديات:
- الأمن السيبراني (Cybersecurity): حماية البيانات الحساسة من الاختراق والسرقة.
- الخصوصية (Privacy): ضمان احترام خصوصية العملاء وحماية بياناتهم الشخصية.
- التحيز في الخوارزميات (Algorithmic Bias): التأكد من أن نماذج التقييم الآلية لا تتضمن تحيزات تؤدي إلى تقييمات غير عادلة.
- التغيرات في سوق العمل: مواكبة التطورات التكنولوجية المستمرة وتطوير المهارات اللازمة لمواكبة هذه التغيرات.
- الفرص:
- زيادة الكفاءة والدقة: تحسين جودة التقييم وتقليل الأخطاء.
- توسيع نطاق الخدمات: تقديم خدمات تقييم جديدة ومبتكرة.
- الوصول إلى أسواق جديدة: التوسع في الأسواق العالمية وتقديم الخدمات عن بعد.
- تحسين تجربة العملاء: توفير تجربة تقييم أكثر شفافية وسهولة.
سابعاً: أمثلة على التطبيقات العملية
-
نماذج التقييم الآلية: استخدام نماذج التعلم الآلي لتقدير قيمة العقارات بناءً على البيانات التاريخية وخصائص العقار.
-
مثال: نموذج Hedonic Pricing Model، الذي يعتمد على تحليل الانحدار (Regression Analysis) لتقدير قيمة العقار بناءً على خصائصه (المساحة، عدد الغرف، الموقع…) وأسعار العقارات المماثلة في المنطقة.
-
الصيغة العامة لنموذج Hedonic Pricing هي:
-
P = β₀ + β₁X₁ + β₂X₂ + … + βₙXₙ + ε
- حيث:
- P: سعر العقار
- β₀: ثابت النموذج
- β₁, β₂, …, βₙ: معاملات المتغيرات المستقلة (خصائص العقار)
- X₁, X₂, …, Xₙ: المتغيرات المستقلة (خصائص العقار)
- ε: خطأ النموذج
- حيث:
-
-
-
تقييم العقارات باستخدام الطائرات بدون طيار: استخدام الطائرات بدون طيار لالتقاط صور جوية للعقارات وتقييم حالتها وموقعها.
- تحليل السوق العقاري باستخدام البيانات الضخمة: استخدام البيانات الضخمة لتحليل الاتجاهات في السوق العقاري وتوقع التغيرات في الأسعار.
خلاصة
لقد شهدت مهنة التقييم العقاري تحولات جذرية على مر السنين، من الممارسات اليدوية التقليدية إلى العصر الرقمي الحالي. التكنولوجيا تلعب دورًا متزايد الأهمية في تحسين دقة التقييم وكفاءته وتوسيع نطاقه. على الرغم من التحديات التي تواجه المهنة في العصر الرقمي، إلا أن هناك فرصًا كبيرة للمقيمين العقاريين الذين يتمتعون بالمهارات والمعرفة اللازمة لمواكبة التطورات التكنولوجية.
ملخص الفصل
ملخص علمي: تطور مهنة التقييم: من التقييم اليدوي إلى العصر الرقمي
مقدمة:
يتناول هذا الفصل رحلة تطور مهنة التقييم العقاري، بدءًا من الأساليب اليدوية التقليدية في الثمانينيات وصولًا إلى الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الرقمية في العصر الحالي. يسلط الضوء على التغيرات الجذرية التي طرأت على الممارسات المهنية، وهيكل السوق، ومتطلبات التأهيل، نتيجة للتطورات التكنولوجية والتشريعية.
التقييم اليدوي (عصر ما قبل الرقمنة):
- الأدوات والعمليات: تميزت هذه الفترة باستخدام أدوات يدوية بسيطة مثل الحافظات، الأقلام، أشرطة القياس، والكاميرات (بولارويد أو 35 ملم). تضمنت العملية جمع البيانات ميدانيًا، ورسم مخططات للممتلكات يدويًا، والبحث عن مقارنات في سجلات ورقية (Comp Books).
- تدفق العمل: كان سير العمل بطيئًا ومستهلكًا للوقت، حيث كان المقيمون يقومون بإجراء عدد قليل من التقييمات أسبوعيًا، ويقضون أيامًا في جمع البيانات، وتحليلها، وإعداد التقارير المكتوبة.
- التأهيل والخبرة❓: لم يكن الحصول على ترخيص إلزاميًا، وكانت الخبرة العملية هي العامل الأكثر أهمية، حيث كان المتدربون يعملون تحت إشراف مقيمين ذوي خبرة لفترة طويلة لاكتساب المهارات والاتصالات اللازمة.
- التحديات: واجه المقيمون تحديات مثل محدودية الوصول إلى المعلومات، وبطء عملية إعداد التقارير، والاعتماد الكبير على الخبرة الشخصية، مما قد يؤدي إلى تباين في التقييمات.
التغيرات التشريعية والتأثير على المهنة:
- قانون Garn/St. Germaine: أدى هذا القانون إلى إلغاء القيود التنظيمية على مؤسسات الإقراض والادخار، مما تسبب في انهيار العديد منها، وأدى إلى تدخل حكومي مكلف لإنقاذ الصناعة.
- قانون FIRREA: جاء هذا القانون استجابة لانهيار مؤسسات الإقراض والادخار، وفرض تنظيمًا إضافيًا على المقرضين وترخيصًا للمقيمين العقاريين، كما أسس مؤسسة التقييم (Appraisal Foundation) لتطوير معايير موحدة لممارسات التقييم (USPAP). أدى هذا القانون إلى تقليل عدد المقيمين بشكل كبير.
التحول التكنولوجي:
- الأجهزة المحمولة: ظهور الهواتف المحمولة وأجهزة❓ الفاكس سهّل التواصل وتسريع نقل المعلومات.
- الحواسيب الشخصية: أدت الحواسيب الشخصية والبرامج المكتبية إلى أتمتة بعض المهام، مثل إعداد التقارير وطباعتها، مما أدى إلى زيادة الإنتاجية وتقليل الاعتماد على الموظفين الإداريين.
- الكاميرات الرقمية: ظهور الكاميرات الرقمية حسّن جودة الصور وسهّل عملية تضمينها في التقارير.
الآثار المترتبة:
- تقلص عدد المقيمين: أدى انهيار مؤسسات الإقراض والادخار، ومتطلبات الترخيص، والتقدم التكنولوجي إلى تقليل عدد المقيمين بشكل كبير.
- زيادة الكفاءة: أدت التكنولوجيا إلى زيادة كفاءة عملية التقييم، وتقليل الوقت والتكلفة اللازمة لإعداد التقارير.
- تغير متطلبات التأهيل: أصبح التعليم والتدريب الرسمي أكثر أهمية، مع التركيز على فهم معايير USPAP واستخدام التكنولوجيا.
- ظهور فرص جديدة: فتحت التكنولوجيا فرصًا جديدة للمقيمين المهرة في استخدام الأدوات الرقمية وتحليل البيانات.
الاستنتاجات:
لقد شهدت مهنة التقييم تحولاً جذرياً على مر العقود، مدفوعة بالتطورات التكنولوجية والتغيرات التشريعية. وبينما سهلت التكنولوجيا بعض المهام وأدت إلى زيادة الكفاءة، إلا أنها أدت أيضًا إلى تحديات جديدة، مثل الحاجة إلى التكيف المستمر مع التقنيات الجديدة ومتطلبات التأهيل المتغيرة. ومع ذلك، لا تزال هناك فرص كبيرة للمقيمين المؤهلين والمتعلمين والذين يتبنون التكنولوجيا.