التقييم العقاري: من الأزمة إلى العصر الذهبي الجديد.

الفصل: التقييم العقاري: من الأزمة إلى العصر الذهبي الجديد
مقدمة:
يشهد قطاع التقييم العقاري تحولات جذرية، بعد فترة عصيبة شهدت أزمات مالية وتحديات تنظيمية. يهدف هذا الفصل إلى استعراض هذه التحولات، بدءًا من جذور الأزمة وصولًا إلى ملامح العصر الذهبي الجديد الذي يلوح في الأفق، مع التركيز على التطورات التكنولوجية والمهنية التي تدفع هذا التغيير.
أولًا: متطلبات التعليم المتزايدة
في مطلع الألفية الثالثة، أدركت المؤسسات التنظيمية أهمية رفع مستوى الكفاءة والاحترافية في مجال التقييم العقاري. تجسد هذا الإدراك في:
- تفعيل معايير تعليمية أكثر صرامة: اعتبارًا من عام 2008، قامت مؤسسة تقييم المؤهلات (Appraisal Qualifications Board) التابعة لمؤسسة التقييم (The Appraisal Foundation) بفرض معايير تعليمية أكثر صرامة لكل مرحلة من مراحل الترخيص. شمل ذلك وحدات تعليمية محددة لكل مستوى من مستويات الترخيص.
- قيود الدخول إلى المستويات المعتمدة: اعتبارًا من 1 يناير 2015، تم تطبيق متطلبات إضافية، بما في ذلك حصر الدخول إلى المستويات المعتمدة على خريجي الجامعات.
المنطق: يهدف هذا التوجه إلى الارتقاء بمستوى المهنة، حيث يُفترض أن الخريجين الجامعيين يتمتعون بمستوى أعلى من المعرفة والمهارات، مما ينعكس إيجابًا على جودة التقييمات.
ثانيًا: استعراض “الأيام الخوالي السيئة”
على الرغم من بعض الذكريات التي قد تبدو إيجابية عن الماضي، إلا أن فترة ما قبل الأزمة المالية شهدت ممارسات خاطئة أدت إلى تفاقم الأزمة.
أ. نماذج التقييم الآلية (AVMs) ليست تقييمات:
- سعى العديد من المقرضين إلى خفض التكاليف من خلال استخدام نماذج التقييم الآلية (AVMs) وآراء أسعار الوسطاء (Broker Price Opinions - BPOs) لتقييم العقارات لغرض منح القروض.
- المشكلة: هذه الأدوات ليست تقييمات حقيقية. AVMs هي أداة مساعدة للتقييم، ولكنها غير دقيقة بدون تعديلات من خبير. آراء أسعار الوسطاء تستخدم لتحديد أسعار البيع، وليس القيمة.
- الفرق بين القيمة والسعر: المثمنون يتعاملون مع “القيمة” (Value)، بينما الوسطاء يتعاملون مع “السعر” (Price). هذان مفهومان مختلفان تمامًا.
ب. ممارسات الإقراض السيئة:
- قروض “بدون وثائق” (No Doc Loans): لم تتطلب هذه القروض أي تقييم أو إثبات للدخل.
- نظرية “الأحمق الأكبر” (Greater Fool Theory): اعتمد المقرضون على افتراض أن أسعار المساكن ستستمر في الارتفاع، وبالتالي حتى إذا كان المقترضون غير قادرين على السداد، فإن قيمة المنازل ستكون أعلى من مبلغ القرض. هذا يعني أنه سيظهر دائمًا شخص “أحمق أكبر” مستعد لدفع سعر أعلى.
- النتيجة: أدت هذه الممارسات إلى كارثة بدأت في خريف 2007 وبلغت ذروتها في صيف 2008، مع إفلاس مؤسسات مالية مرموقة.
مثال: تصور شخصًا يحصل على قرض عقاري بدون أي تقييم أو إثبات للدخل. إذا انخفضت أسعار العقارات، فسيجد هذا الشخص نفسه مدينًا بمبلغ أكبر من قيمة العقار، مما قد يؤدي إلى التخلف عن السداد وإفلاس البنك المقرض.
جـ. زيادة التنظيم:
- قانون SAFE وقانون Dodd-Frank: تم إصدار هذه القوانين استجابة للأزمة المالية، وكان لها تأثير كبير على المقرضين والمثمنين.
- قيود على استخدام AVMs و BPOs: منع المقرضون من استخدام نماذج التقييم الآلية وآراء أسعار الوسطاء لغرض منح القروض.
- شركات إدارة التقييم (AMCs): تم توجيه المثمنين لتلقي طلبات التقييم من خلال شركات إدارة التقييم، بهدف منع الاتصال المباشر بين المقرضين والوسطاء والمثمنين.
- “رسوم معقولة ومألوفة” (Reasonable and Customary Fee): كان من المفترض أن تدفع شركات إدارة التقييم للمثمنين رسومًا “معقولة ومألوفة”، ولكن كان هناك جدل كبير حول تعريف هذا المصطلح.
د. استحواذ شركات الإدارة:
- أدت المتطلبات المتزايدة إلى خروج العديد من المثمنين من المهنة.
- تزامن ذلك مع التطورات التكنولوجية السريعة، مثل المباني الخضراء والتخزين الرقمي والأجهزة الذكي❓ة.
ثالثًا: الوضع الحالي في مجال التقييم
أ. نقص في عدد المثمنين:
- دراسة وزارة العمل الأمريكية (2006): أشارت الدراسة إلى أن عدد المثمنين في الولايات المتحدة يتقدم في العمر بسرعة، وتوقعت نقصًا متزايدًا بحلول عام 2012 بسبب التقاعد الطبيعي.
- الركود الكبير (2008-2012): أدى الانهيار المالي إلى فقدان ملايين الأشخاص وظائفهم ومنازلهم، مما أدى إلى انخفاض الطلب على المثمنين.
- “العاصفة المثالية”: أدى قانون Dodd-Frank والمعايير التعليمية الأكثر صرامة إلى تفاقم النقص في عدد المثمنين.
ب. “العصر الذهبي الجديد”:
- مع تعافي السوق، بدأت تظهر علامات على وجود نقص في عدد المثمنين القادرين على التعامل مع حجم العمل المتزايد.
- النتيجة: من المتوقع أن ترتفع الأجور وتتحسن الظروف المعيشية للمثمنين.
- فرص متنامية: بالإضافة إلى الإقراض، هناك فرص متزايدة في الأسواق الحكومية والقانونية والتأمينية.
رابعًا: الثورة التكنولوجية في التقييم
أ. الصباح الباكر - البداية:
- المثمن العصري يبدأ يومه بفحص هاتفه الذكي بحثًا عن طلبات تقييم جديدة من شركات إدارة التقييم.
- يقوم بتحميل ملفات تعريف العقارات على جهاز لوحي، بما في ذلك سجلات الضرائب والأوصاف القانونية والمساحات وعدد الغرف.
- يقوم بتحميل خرائط الأراضي التي توضح أبعاد العقار وحجم قطعة الأرض.
- يقوم بتحميل جميع المبيعات المقارنة المغلقة المحتملة على الجهاز اللوحي، بما في ذلك معلومات قوائم العقارات المتعددة.
- يقوم بتضمين خريطة شوارع ملونة توضح العقار موضوع التقييم والمبيعات المقارنة والمسافات بينها.
- يقوم بالحصول على صورة عبر الأقمار الصناعية للعقار موضوع التقييم والمناطق المحيطة به.
- يقوم برنامج مزود المقارنات بملء النموذج الفارغ تلقائيًا بهذه المعلومات.
ب. منتصف الصباح - الخرائط المتنقلة:
- يستخدم المثمن سيارته الهجينة المجهزة بأدوات إلكترونية.
- يقوم بإدخال العنوان الأول في نظام الخرائط في سيارته.
- يتحقق من تطبيق الطقس على هاتفه الذكي.
- يتحقق من تطبيق السفر ويكتشف وقوع حادث على الطريق السريع، فيطلب من نظام الملاحة في سيارته إعادة تعيين مسار بديل.
مثال على تطبيق رياضي:
لحساب المسافة بين العقار موضوع التقييم والمبيعات المقارنة، يمكن استخدام صيغة المسافة الإقليدية:
d = sqrt((x2 - x1)^2 + (y2 - y1)^2)
حيث:
d
هي المسافة(x1, y1)
هي إحداثيات العقار موضوع التقييم(x2, y2)
هي إحداثيات المبيعات المقارنة
خلاصة:
يمر مجال التقييم العقاري بتحولات كبيرة، مدفوعة بالتنظيمات الجديدة والتقنيات المتقدمة. على الرغم من التحديات التي واجهت المهنة في الماضي، إلا أن هناك فرصًا كبيرة تنتظر المثمنين المؤهلين والمجهزين بأحدث الأدوات والمعرفة. العصر الذهبي الجديد للتقييم العقاري يتطلب تعليمًا مستمرًا وتكيفًا مع التغيرات التكنولوجية وفهمًا عميقًا لأسس المهنة.
ملخص الفصل
ملخص علمي: التقييم العقاري: من الأزمة إلى العصر الذهبي الجديد
يتناول هذا الفصل من دورة “التقييم العقاري الحديث” رحلة مهنة التقييم العقاري من فترة الأزمة المالية إلى ما يُنظر إليه على أنه عصر ذهبي جديد. ويركز على التغيرات الهيكلية والتقنية التي شهدتها المهنة❓، وكيف أثرت هذه التغيرات على كل من الممارسين والمستهلكين.
النقاط الرئيسية:
-
زيادة متطلبات التعليم:
- بدءًا من عام 2008، قامت مؤسسة تقييم الكفاءات (Appraisal Qualifications Board) بزيادة المعايير التعليمية اللازمة للحصول على تراخيص التقييم المختلفة.
- أصبح الحصول على شهادة جامعية لمدة أربع سنوات شرطًا أساسيًا للوصول إلى مستويات الشهادات المعتمدة.
- يهدف هذا التغيير إلى رفع مستوى المهنة وزيادة دخل المقيمين على المدى الطويل.
-
ممارسات الإقراض السيئة:
- قبل الأزمة، تفشت ممارسات الإقراض غير المسؤولة، مثل قروض “بدون مستندات” (No Doc loans) التي لا تتطلب تقييمًا أو إثباتًا للدخل.
- اعتمد المقرضون على نظرية “الأحمق الأكبر” (greater fool theory)، معتقدين أن أسعار المساكن ستستمر في الارتفاع❓ وأن أي خسائر سيتم تعويضها بفضل مشتري لاحق.
- أدت هذه الممارسات إلى أزمة مالية طاحنة في عام 2007، وانهيار مؤسسات مالية كبرى.
-
التدخل الحكومي وزيادة التنظيم:
- استجابة للأزمة، تم إصدار قوانين مثل قانون SAFE وقانون Dodd-Frank، بهدف حماية المستهلكين وتنظيم قطاع الإقراض والتقييم العقاري.
- تم تقييد استخدام نماذج التقييم الآلية (AVMs) وآراء الأسعار المقدمة من الوسطاء (Broker Price Opinions) في عمليات الإقراض.
- تم إنشاء شركات إدارة التقييم (Appraisal Management Companies - AMCs) كوسيط بين المقرضين❓ والمقيمين، بهدف منع التأثير غير المبرر على عملية التقييم.
-
تراجع أعداد المقيمين:
- أدى الجمع بين الأزمة المالية، وزيادة التنظيم، وارتفاع المتطلبات التعليمية إلى تقليل عدد المقيمين العقاريين بشكل ملحوظ.
- ترك العديد من المقيمين المهنة بسبب التعقيدات المتزايدة والانخفاض في حجم العمل.
- يؤدي هذا النقص حاليًا إلى تأخيرات في عمليات الإقراض وارتفاع في أسعار التقييم.
-
الثورة التكنولوجية في التقييم:
- شهدت المهنة تطورات تكنولوجية كبيرة، مثل استخدام الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وتطبيقات الخرائط، وقواعد البيانات العقارية عبر الإنترنت.
- تساعد هذه التقنيات المقيمين على جمع البيانات وتحليلها بكفاءة أكبر، وتحسين دقة التقييم.
الاستنتاجات:
- شهدت مهنة التقييم العقاري تحولات جذرية خلال العقدين الماضيين، مدفوعة بالأزمات المالية، والتنظيم الحكومي، والتطور التكنولوجي.
- على الرغم من التحديات، توجد فرص ذهبية للمقيمين المؤهلين والمجهزين بالتكنولوجيا الحديثة.
- يعد النقص الحالي في عدد المقيمين فرصة لزيادة الدخل وتحسين ظروف العمل.
الآثار المترتبة:
- يجب على المقيمين العقاريين الاستثمار في التعليم المستمر وتطوير مهاراتهم التكنولوجية لمواكبة التغيرات في المهنة.
- يتعين على الجهات التنظيمية ضمان تطبيق القوانين واللوائح بشكل فعال لحماية المستهلكين ومنع ممارسات الإقراض غير المسؤولة.
- يجب على شركات إدارة التقييم دفع أجور عادلة للمقيمين لضمان جودة التقييم وتشجيع دخول مقيمين جدد إلى المهنة.
- ينبغي على المؤسسات التعليمية تطوير برامج تدريبية متخصصة في التقييم العقاري لتلبية الطلب المتزايد على المقيمين المؤهلين.