المبادئ الاقتصادية: المساهمة، العوائد، والاستخدام الأمثل

المبادئ الاقتصادية: المساهمة، العوائد، والاستخدام الأمثل

بسم الله الرحمن الرحيم

دورة تدريبية: تقييم العقارات: مبادئ اقتصادية أساسية

الفصل: المبادئ الاقتصادية: المساهمة، العوائد، والاستخدام الأمثل

مقدمة:

يهدف هذا الفصل إلى تزويد المتدربين بفهم عميق للمبادئ الاقتصادية الأساسية التي تؤثر على قيمة العقارات. سنركز على ثلاثة مفاهيم رئيسية: مبدأ المساهمة، مبدأ العوائد المتزايدة والمتناقصة، ومبدأ الاستخدام الأمثل. هذه المبادئ ضرورية لعملية التقييم العقاري، حيث تساعد المثمنين على تحديد القيمة الحقيقية للعقار بناءً على العوامل الاقتصادية المؤثرة.

أولاً: مبدأ المساهمة (Principle of Contribution)

  • التعريف: ينص مبدأ المساهمة على أن قيمة أي مكون أو عنصر في العقار تتحدد بمقدار الزيادة التي يضيفها هذا المكون إلى قيمة العقار الكلية، بغض النظر عن تكلفته. أو، بمعنى آخر، مقدار النقص الذي سيحدث لقيمة العقار الكلية في حالة غياب هذا المكون. هذه الزيادة أو النقص في القيمة تمثل ما يعرف بـ “الإنتاجية الحدية” (Marginal Productivity) للمكون.

  • المفهوم العلمي: يعتمد هذا المبدأ على مفهوم “المنفعة الحدية” (Marginal Utility) في الاقتصاد، والذي يشير إلى التغير في الرضا أو المنفعة الناتجة عن زيادة استهلاك وحدة إضافية من سلعة أو خدمة. في سياق العقارات، فإن كل مكون يضيف منفعة معينة، وبالتالي قيمة معينة، إلى العقار ككل.

  • الصيغة الرياضية (لتوضيح المفهوم):

    • ΔV = V₂ - V₁

      حيث:

      • ΔV: التغير في قيمة العقار نتيجة إضافة أو إزالة المكون.
      • V₂: قيمة العقار بعد إضافة أو إزالة المكون.
      • V₁: قيمة العقار قبل إضافة أو إزالة المكون.
  • التكلفة الحدية (Marginal Cost) والإنتاجية الحدية: يجب التفريق بين التكلفة الفعلية للمكون (التكلفة الحدية) والقيمة التي يضيفها إلى العقار (الإنتاجية الحدية). من المنطقي إضافة المكون إذا كانت الإنتاجية الحدية أكبر من التكلفة الحدية.

  • أمثلة تطبيقية:

    1. مثال 1: قام مالك بتركيب كسوة جديدة لمنزله، مما أدى إلى زيادة قيمة المنزل بمقدار 5000 دولار. في هذه الحالة، تمثل 5000 دولار قيمة الكسوة الجديدة، أي إنتاجيتها الحدية. بغض النظر عما إذا كانت تكلفة الكسوة أقل أو أكثر من 5000 دولار.
    2. مثال 2: في حي سكني متشابه، تباع المنازل التي تحتوي على حمامين بسعر 140,000 دولار، بينما تباع المنازل التي تحتوي على ثلاثة حمامات بسعر 145,000 دولار. هنا، تبلغ مساهمة الحمام الثالث في القيمة 5000 دولار. عند تعديل قيمة عقار مماثل للمقارنة، سيستند المثمن إلى فرق القيمة البالغ 5000 دولار كما هو محدد في السوق.
  • تطبيقات عملية وتجارب:

    • تحليل السوق المقارن: يستخدم المثمنون مبدأ المساهمة في تحليل السوق المقارن لتقدير قيمة الميزات المختلفة في العقارات. على سبيل المثال، يمكن مقارنة أسعار المنازل ذات المسابح بتلك التي لا تحتوي عليها لتقدير مساهمة المسبح في القيمة.
    • تحسينات العقار: يساعد هذا المبدأ المالكين على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن التحسينات التي يجب إجراؤها على العقار. يجب على المالكين التركيز على التحسينات التي تزيد قيمة العقار بأكثر من تكلفتها.

ثانياً: مبدأ العوائد المتزايدة والمتناقصة (Principle of Increasing and Decreasing Returns)

  • التعريف: ينص هذا المبدأ على أنه عند إضافة وحدات متزايدة من أحد عوامل الإنتاج (مثل رأس المال) مع ثبات العوامل الأخرى (مثل الأرض)، فإن العائد على الاستثمار سيزداد في البداية بمعدل متزايد (العوائد المتزايدة)، ثم يستمر في الزيادة ولكن بمعدل متناقص (العوائد المتناقصة)، ثم يبدأ في الانخفاض.

  • المفهوم العلمي: هذا المبدأ هو تطبيق لقانون تناقص الغلة (Law of Diminishing Returns) في الاقتصاد، والذي يشير إلى أنه بعد نقطة معينة، فإن إضافة وحدات إضافية من عامل إنتاج واحد مع ثبات العوامل الأخرى سيؤدي إلى انخفاض الإنتاجية الحدية.

  • الصيغة الرياضية (لتوضيح المفهوم): من الصعب تمثيل هذا المبدأ بصيغة رياضية بسيطة، ولكنه يمكن توضيحه بيانيا.

    • يمكن تمثيل العلاقة بين الاستثمار والعائد كدالة: R = f(I)

      حيث:

      • R: العائد على الاستثمار.
      • I: مقدار الاستثمار.

      في البداية، تكون الدالة متزايدة بمعدل متزايد (مشتقة ثانية موجبة)، ثم متزايدة بمعدل متناقص (مشتقة ثانية سالبة)، ثم متناقصة (مشتقة أولى سالبة).

  • أمثلة تطبيقية:

    1. مثال 1: يقوم مقاول بتطوير قطعة أرض ببناء منزل. يقدّر المقاول سعر البيع المحتمل للمنزل بناءً على مساحات مختلفة. يوضح الجدول التالي تأثير زيادة مساحة المنزل على معدل عائد المقاول الإجمالي (الربح). (كما في الجدول في الملف المرفق).
    2. مثال 2: إضافة عدد قليل من الوحدات السكنية إلى مشروع عقاري قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في الإيجارات وبالتالي قيمة العقار. ومع ذلك، عند إضافة عدد كبير جدًا من الوحدات، قد يبدأ الطلب على الإيجارات في الانخفاض، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة العقار.
  • تطبيقات عملية وتجارب:

    • تحليل الجدوى الاقتصادية للمشاريع: يساعد هذا المبدأ في تحديد الحجم الأمثل للمشروع العقاري لتحقيق أقصى عائد على الاستثمار.
    • تقييم التحسينات الرأسمالية: يجب على المثمنين أن يأخذوا في الاعتبار مبدأ العوائد المتناقصة عند تقييم التحسينات الرأسمالية للعقار. قد لا تكون إضافة المزيد من التحسينات دائمًا هو الخيار الأفضل إذا كانت العوائد المتوقعة لا تبرر التكلفة.

ثالثاً: مبدأ الاستخدام الأمثل (Highest and Best Use Principle)

  • التعريف: ينص مبدأ الاستخدام الأمثل على أن قيمة العقار تتحدد بالاستخدام الأكثر ربحية الذي يمكن أن يستخدم فيه العقار بشكل معقول وقانوني. لتحديد القيمة السوقية للعقار، يجب على المثمن أولاً تحليل استخدامه الأمثل.

  • المفهوم العلمي: يعتمد هذا المبدأ على مفهوم “الكفاءة الاقتصادية” (Economic Efficiency)، والذي يشير إلى تخصيص الموارد بحيث تحقق أقصى قيمة ممكنة. في سياق العقارات، فإن الاستخدام الأمثل هو الذي يحقق أعلى عائد على الاستثمار مع مراعاة القيود القانونية والتنظيمية والفيزيائية.

  • شروط الاستخدام الأمثل: يجب أن يستوفي الاستخدام الأمثل أربعة شروط رئيسية:

    1. القانونية (Legally Permissible): يجب أن يكون الاستخدام مسموحًا به بموجب قوانين تقسيم المناطق واللوائح الأخرى.
    2. الجدوى الفيزيائية (Physically Possible): يجب أن يكون الاستخدام ممكنًا من الناحية الفيزيائية، مع مراعاة حجم وشكل وموقع العقار.
    3. الجدوى المالية (Financially Feasible): يجب أن يكون الاستخدام مجديًا من الناحية المالية، أي أن الإيرادات المتوقعة يجب أن تتجاوز التكاليف.
    4. الأكثر ربحية (Maximally Productive): من بين جميع الاستخدامات الممكنة والجديرة بالاهتمام، يجب أن يكون الاستخدام الأمثل هو الذي يحقق أعلى قيمة للعقار.
  • أمثلة تطبيقية:

    1. مثال 1: قطعة أرض تقع في منطقة تجارية. يمكن استخدامها لبناء متجر أو مكتب أو موقف سيارات. يجب على المثمن تحليل كل هذه الاستخدامات المحتملة لتحديد الاستخدام الذي سيحقق أعلى قيمة للأرض.
    2. مثال 2: عقار مشيد عليه منزل. يقدر المثمن قيمة الأرض لاستخدامها الحالي بمبلغ 50,000 دولار وقيمة المسكن بمبلغ 70,000 دولار. في تقييم الاستخدام الأمثل، يحدد المثمن أنه إذا كانت الأرض شاغرة، فسيكون الاستخدام الأمثل للأرض هو سكني متعدد العائلات، ولهذا الغرض تقدر قيمة الأرض بمبلغ 80,000 دولار. في هذه الحالة، يكون الاستخدام الأمثل للأرض هو استخدامها الحالي، حيث أن القيمة الإجمالية الحالية للأرض والتحسينات (50,000 دولار + 70,000 دولار = 120,000 دولار) تتجاوز قيمة الأرض وحدها لاستخدام مختلف.
    3. مثال 3: لنفترض أن لدينا نفس الظروف كما في المثال السابق، ولكن المسكن متداعٍ ويقدر قيمته بمبلغ 20,000 دولار فقط. وبالتالي، فإن القيمة الإجمالية للأرض والتحسينات لاستخدامها الحالي هي 70,000 دولار. في هذه الحالة، يمكن للمثمن أن يقرر أن الاستخدام الأمثل للأرض هو للاستخدام السكني متعدد العائلات، على افتراض أن تكلفة إزالة التحسينات الحالية أقل من 10,000 دولار (80,000 دولار قيمة إذا كانت شاغرة للاستخدام الجديد ناقص 70,000 دولار قيمة محسنة للاستخدام الحالي).
  • تطبيقات عملية وتجارب:

    • تحليل السوق: يساعد هذا المبدأ في فهم ديناميكيات السوق العقاري وتحديد الفرص الاستثمارية المتاحة.
    • تطوير الأراضي: يجب على المطورين العقاريين تحليل الاستخدام الأمثل للأرض قبل البدء في أي مشروع تطوير لضمان تحقيق أقصى عائد على الاستثمار.

رابعاً: مبدأ الاستخدام المتسق (Consistent Use Principle)

  • التعريف: يتعلّق مبدأ الاستخدام المتسق بتقييم العقارات المُحسَّنة. يتطلّب الاستخدام المتسق تقييم كل من الأرض والتحسينات لنفس الاستخدام، حتى لو تم تقييمهما بشكل منفصل. من غير المناسب تقييم الأرض لاستخدام واحد والتحسينات لاستخدام آخر.
  • مثال تطبيقي: لا يمكن للمثمن، في المثالين السابقين، تقييم التحسينات لاستخدامها السكني الحالي للعائلة الواحدة وتقييم الأرض للاستخدام السكني متعدد العائلات. يجب تقييم الأرض والتحسينات باستمرار، إما كلاهما للاستخدام الفردي أو كلاهما للاستخدام المتعدد العائلات.

خامساً: مبادئ التطابق والتقدم والانحدار (Conformity, Progression, and Regression Principles)

  • التطابق: وفقًا لمبدأ التطابق، يتم تعزيز قيم العقارات عندما تتطابق استخدامات العقارات المحيطة مع استخدام العقار المعني. هذا هو الأساس المنطقي للوائح تقسيم المناطق، التي تسعى إلى تجميع الاستخدامات المتوافقة معًا وفصل الاستخدامات غير المتوافقة.
  • التقدم والانحدار: تتأثر قيمة العقار سلبًا إذا كان محاطًا بعقارات أقل قيمة (الانحدار) وإيجابًا إذا كان محاطًا بعقارات أكثر قيمة (التقدم).

خلاصة:

إن فهم وتطبيق هذه المبادئ الاقتصادية الثلاثة (المساهمة، العوائد، والاستخدام الأمثل) أمر بالغ الأهمية لعملية التقييم العقاري. تساعد هذه المبادئ المثمنين على تحديد القيمة الحقيقية للعقار بناءً على العوامل الاقتصادية المؤثرة واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الاستثمارات العقارية.

ملخص الفصل

ملخص الفصل: المبادئ الاقتصادية: المساهمة، العوائد، والاستخدام الأمثل

يتناول هذا الفصل مجموعة من المبادئ الاقتصادية الأساسية التي يعتمد عليها تقييم العقارات، وهي مبدأ المساهمة، مبدأ العوائد المتزايدة والمتناقصة، ومبدأ الاستخدام الأمثل.

مبدأ المساهمة: يركز على أن قيمة أي عنصر في العقار تتحدد بمقدار القيمة التي يضيفها إلى العقار ككل، أو مقدار النقص الذي يسببه غيابه. هذه القيمة تسمى “الإنتاجية الحدية” للعنصر، و هي تختلف عن “التكلفة الحدية” للعنصر. فمثلاً، إذا أدى تركيب كسوة جديدة لمنزل إلى زيادة قيمته بمقدار 5000 دولار، فإن قيمة الكسوة هي 5000 دولار بغض النظر عن تكلفتها. يستخدم هذا المبدأ في المقارنة بين العقارات المتشابهة وتحديد الفروقات في القيمة الناتجة عن وجود أو غياب عناصر معينة، كالفرق في قيمة قطعة أرض بعمق 100 قدم مقارنة بقطعة بعمق 120 قدم، أو أثر وجود مرآب على قيمة المنزل. بدلاً من الاعتماد على تقديرات التكلفة البسيطة، يوجه مبدأ المساهمة المثمن إلى تحليل قيم السوق لهذه المكونات المختلفة للإجابة على أنواع مماثلة من الأسئلة.

مبدأ العوائد المتزايدة والمتناقصة: يشير إلى أنه عند تثبيت أحد عوامل الإنتاج (مثل الأرض) وزيادة الاستثمار في العوامل الأخرى (مثل رأس المال والعمالة)، فإن معدل العائد على الاستثمار سيزداد أولاً بمعدل متزايد (عوائد متزايدة)، ثم يستمر في الازدياد ولكن بمعدل متناقص، وأخيراً يبدأ في التناقص (عوائد متناقصة). ويوضح المثال المقدم أن زيادة مساحة منزل تزيد من سعر البيع المتوقع، ولكن بعد حد معين، تبدأ الزيادة في السعر بالتناقص، مما يؤثر على معدل العائد الإجمالي للمطور.

مبدأ الاستخدام الأمثل: يعتبر حجر الزاوية في تقييم العقارات، حيث يرى أن قيمة العقار تتحدد بأكثر استخدام مربح وممكن (قانونياً) له. لذا، يجب على المثمن تحليل الاستخدام الأمثل لتحديد القيمة السوقية للعقار. يجب أن يكون هذا الاستخدام مسموحاً به بموجب قوانين تقسيم المناطق المعمول بها. عند تحليل الاستخدام الأمثل للعقارات المحسنة، يميز المثمن بين الاستخدام الأمثل الفعلي وأفضل استخدام قد ينطبق إذا كان العقار شاغرًا (أي غير محسّن). إن حقيقة أن أفضل استخدام للعقار، إذا كان شاغرًا، سيكون شيئًا آخر غير الاستخدام الحالي لا يعني بالضرورة أن الاستخدام الحالي للعقار ليس هو الأفضل والأكثر فعالية. سيكون هذا هو الحال فقط إذا كانت قيمة الأرض في حالة شاغرة (لاستخدام آخر) تتجاوز قيمتها كما هي مطورة حاليًا. يوضح الفصل أمثلة توضيحية لبيان أهمية مقارنة قيمة العقار مع التحسينات بقيمته كأرض خالية لتحديد الاستخدام الأمثل. هناك وظيفتان في تحليل الاستخدام الأفضل والأكثر فاعلية للعقار على النحو المحسن. الوظيفة الأولى هي نفس وظيفة الاستخدام الأفضل والأكثر فاعلية للأرض كما لو كانت شاغرة - للمساعدة في تحديد الخصائص القابلة للمقارنة. يجب أن يكون للخصائص المحسنة القابلة للمقارنة نفس الاستخدامات أو استخدامات مماثلة مثل العقار موضوع البحث. الوظيفة الثانية لأفضل وأكثر استخدام للعقار على النحو المحسن هي تحديد ما إذا كان ينبغي هدم التحسينات أو تجديدها أو الاحتفاظ بها في حالتها الحالية.

مبدأ الاستخدام المتسق: يتطلب تقييم الأرض والتحسينات للاستخدام نفسه، حتى لو تم تقييمهما بشكل منفصل. لا يجوز تقييم الأرض لاستخدام واحد والتحسينات لاستخدام مختلف.

مبدأ الامتثال والتقدم والانحدار: وفقًا لمبدأ المطابقة، يتم تعزيز قيم العقارات عندما تتوافق استخدامات العقارات المحيطة مع استخدام العقار موضوع البحث. هذا هو الأساس المنطقي وراء لوائح تقسيم المناطق، التي تسعى إلى تجميع الاستخدامات المتوافقة معًا وفصل الاستخدامات غير المتوافقة.

خلاصة: فهم هذه المبادئ الاقتصادية أمر ضروري للمثمن لتقدير القيمة الحقيقية للعقار بشكل دقيق وموثوق، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن أفضل استخدام له.

شرح:

-:

No videos available for this chapter.

هل أنت مستعد لاختبار معلوماتك؟

Google Schooler Resources: Exploring Academic Links

...

Scientific Tags and Keywords: Deep Dive into Research Areas